الدورة الهيدرولوجية تعتبر من الاكتشافات المهمة في علم المياه والسؤال: هل تحدث القرآن عن هذه الدورة بوضوح؟
لقد اختار الله تعالى برحمته نظامًا متوازنًا لكل شيء على هذه الأرض لضمان استمرار الحياة على ظهرها. وقال في ذلك: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21]. ففي هذه الآية أسرار إذا ما تأملناها بشيء من التدبر. فقد أنزل اله كل شيء بقدر وقانون ونظام، وقال: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].
وفي اللغة- قَدْرُ- الشيء مَبْلَغُهُ، فمثلًا لو تأملنا إنزال الماء من الغيوم نجده بقَدَر، أي بكميات محسوبة لا تختل أبدًا، ولو تأملنا كميات المياه المتبخرة كل عام نجدها ثابتة أيضًا ومساوية للكميات الهاطلة. ولو تأملنا نسبة الملوحة في ماء البحر نجدها ثابتة أيضًا ولا تتغير إلا بحدود ضيقة جدًّا ومحسوبة. وهكذا كل ما نراه نمن حولنا يتجلى فيه النظام.
ولذلك نجد العلماء اليوم يدرسون قوانين حركة السوائل، وقوانين حركة الهواء والقوانين التي تحكم الكون وكل ما فيه، ويمكن القول بأنه لكل شيء في هذا الكون نظام وميزان، ولو اختل هذا الميزان لاختل النظام الكوني وفسدت السماوات والأرض. يقول تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71].
إن قانون الجاذبية والذي يعني أن الأثقل ينزل للأسفل والأخف يصعد للأعلى، هذا القانون يحافظ أيضًا على وجود الماء تحت سطح الأرض وضمان تدفقه على شكل ينابيع. ولو أن كثافة الماء كانت أعلى مما هي عليه لغار الماء في الأرض ولم يتمكن من التدفق من خلال الينابيع والأنهار.
وهنا يتجلى قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30]. ولو أن كمية المياه المتساقطة على شكل أمطار لو كانت أقل مما هي عليه، لغار الماء في الأرض. فكمية الأمطار الهاطلة مناسبة تمامًا لطبيعة القشرة الأرضية وسماكتها ونوعية صخورها وترابها.
وهنا أيضًا نقف عند قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18]. وهنا تشير كلمة- بقَدَر- إلى التقدير والحساب والمقادير الدقيقة، ويقول العلماء اليوم إن هنالك دورة منتظمة ودقيقة وحساسة جدًّا تتكرر كل عام.
لقد قدّر الله برحمته نظامًا محكمًا لتوزع الماء على الأرض وفق دورة دقيقة وبمقادير محسوبة، ولو أن كمية المياه المتبخرة كل عام من البحار نقصت قليلًا لأدى ذلك بمرور الزمن إلى ذهاب الماء وانعدام الحياة. ولذلك قال: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} أي بقوانين مقدرة ودقيقة وبكميات محسوبة ومضبوطة، ألا تحمل هذه الآية الكريمة إشارة إلى دورة المياه التي اكتشفها العلماء في العصر الحديث؟؟
ولو فرضنا أن هذه الدورة المائية اختلت قليلًا فإن هذا سيؤدي إلى ذهاب الماء من الأرض. ولو أن هذا الماء المختزن بين صخور الأرض كان له قابلية التفاعل مع هذه الصخور، إذن لنقصت كمية المياه المختزنة كل عام وبالنتيجة سوف يذهب الماء ولن نستفيد منه شيئًا، أي ستتوقف الحياة على الأرض، فالحمد لله على نعمه التي لا تُحصى، والقائل: {وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34].
الكاتب: عبد الدائم الكحيل.
المصدر: موقع أسرار الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.